أيها المسلم المهوم المحزون لا تجعل من مصاب جسدك في أرض الرباط حملا
وثقلا معجزا. طالت آلامك وتكررت أوجاعك حتى ألفت سكب الدموع وأبدعت في
شكوى الزمان. وفر دموعك لتبكي على عجزك وهوانك. ما عاد إخوانك في أرض
الرباط يحتاجون إلى دموعك وحيرتك. ما عادوا يطلبون نصرتك وأنت لا تحسن إلا
تقليب كفيك حيرة وعجزا. ماعادوا يرجون أن ترفع يديك إلى الله لتشكو ضعفك
وهوانك على الناس. هذه أرض الرباط التي عاشت الحصار والتهجير والقتل فما
غرقت في آلامها كما غرقت أنت في آلامك.
وفر دموع العجز والقهر فإن في أرض الرباط قوما أثنى عليهم النبي بالغنى عن
نصرة العاجزين الضعفاء. لا ترفع صوتك لتعتذر إليه عن خذلانك لهم . هذه
عصابة وطائفة لا يضرها من خذلها يقول نبيها محمد صلى الله عليه وسلم: "لا
تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم،
إلا ما أصابهم من أذى حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا: وأين هم يا
رسول الله ؟ قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس). في بيت المقدس وأكناف
بيت المقدس صبروا وصابروا ورابطوا وما بدبوا تبديلا منذ أن ربط النبي خيل
عزهم عند مربط البراق.
في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس حتى النساء لا ترفع أيديها لتشكو ضعفها
وهوانها على الناس. في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس قدموا ليلي ووفاء
وعندليب ودارين. لا يضرهم أن المسلمين في الأرض لم يسمعوا من قبل بعندليب
ووفاء وليلى ودارين. يا أهل السماء هل سمعتم بليلى وعندليب ودارين؟ يا من
قالوا أتجعلوا فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء: هل شهدتم جواب عندليب
وليلى ودارين؟ هل سمعتم جواب عندليب التي لا يزيد وزنها على أربعين كيلا
ولم تبلغ عشرين عاما، هل شهدتم على عيونها لما ألقت نظرة حنان على إخوتها
وهم نيام؟ هل سمعتم قولها الدتها "سيأتي اليوم أناس لخطبتي فأحسني
استقبالهم". لم تفهم أمها مرادها إلا بعدما علمت أن ابنتها النحيلة جرحت
أربعين من الغاصبين المحتلين، وقتلت ثمانية منهم وأنزلت الرعب فيهم أجمعين.
هل علمتم تأويل جواب ربنا لما قال إني أعلم ما لا تعلمون؟ تأويل جواب الله
في فعل دارين التي أكملت ختم القرآن ثم خرجت من منزلها، فافتقدها أهلها
واضطربوا لتأخرها، وعند الساعة العاشرة مساء تتصل بهم لتقول كلمات معدودات
(لا تقلقوا علي، لا تخافوا وتوكلوا على الله وفي الصباح سأفسر لكم وأشرح
لكم) وفي الصباح ما فسرت وشرحت لأهلها فقط بل شرحت لكل من يفهم الشرح
والتأويل. شرحت جوابا عن سؤال الملائكة لربهم لما قالوا (أتجعل فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء) شرح وجواب عملي من وحي قول ربها (قال إني أعلم ما
لا تعلمون) علمت الملائكة أنه سيظهر في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء
من بني البشر، وعلم الله تبارك وتعالى ما لا يعلمون، علم سبحانه أنه سيظهر
في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لا يثنيهم سفك الدماء وفساد الأرض، علم
الله تبارك وتعالى أنه سيظهر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتاة ستسفك
دمها دفاعا عن مسرى نبيها.